العُزلة
يرى الإنسان أن في العُزلة دواء، بينما هي بها كل الداء..
دائمًا ما نرى شخصًا يُردد مرارًا وتكرارًا: "سأعتزل الجميع، وأُغلقُ الهاتف، لن يراني أحدكم مجددًا" وأي شيءٍ من هذا القبيل، وفي الحقيقة هذا الشخص ما هو إلا أبله، وأيضًا هو لا يعتزل أحدًا سوى ذاته فقط.
بعد اعتزال الجميع ومكوث المرء طويلًا بمفرده، تبدأ جميع الأفكار السوداوية والسيئة تطارده رويدًا رويدًا، يتذكر تلك الأشخاص الذين تسببوا بمرارة قلبه، الماضي الذي يشبه نقطة سوداء في ثوبٍ ناصع البياض، جميع هزائمه وخيباته تتوالى واحدة تلو الأخرى من دون رحمةٍ حتى، كل ذلك وهو فقط بمُفرده، تالله إن بقىٰ ولم يعتزل عن الجنس البشريّ سيجد من يحبه وينصت إليه بكلِّ آذانٍ صاغية، ولكنه لا يجلب لذاته سوى الكل فقط.
وعلى الجانبِ الآخر هناك من تكن له العزلة دواءً لكلِّ داء، كالنور المُتوهج في حياةٍ مليئة بالظلام، كنقطةٍ بيضاء في وسط ديجور الدنيا ومصائبها، حياة أخرى مليئة بالسعادة فقط، ليس بها أنينٍ ولا كلل، كالركن الهادئ والمطمئن الذي يلجأ إليه دائمًا، والذي يفصله عن مصائب الدنيا، يقوم باستغلالها في إنجاز الكثير من المهام والمكوث أطول وقت مع ذاته، ينهرها ويعاتبها على ما ارتكبته من خطأ ومحاولة إصلاح ذاك الخطأ المُرتكب، لا جلدها وتعذبيها.
يا صاح العزلة سلاح ذو حدين، إن لم تستطع التعايش معها بالشكل الصحيح فستقضي عليك لا محالة.
حينما كنت صغيراً كنت لا أحملُ هماً ، كنت أشتبك بخيط رفيع ، أوله علبة و آخرة علبة ، كنت استمع الي نفسي بين الخيوط
حين كبرت و إشتد عودي ، علمت أن كل هذا هُراء ، وإني تشبكت بذاتي الأوحد و لم يكن لي أي طريق لخُروج
فا قام الاتي و قال اني أوحد
فا إعلم أيها الطفل الصغير أن اليوم لك و غذاً ليس لك
الكاتب "عبدالرحمن علاءالدين"
أبن محافظة "الفيوم"